خديجة المسكين
من 23 إلى 27 دجنبر 2025، تتحول مدينة سطات مرة أخرى إلى قبلة للمواهب السينمائية الشابة، عبر فعاليات الدورة السابعة عشرة للمهرجان الوطني لفيلم الهواة، الذي بات أحد أهم الفضاءات التي تصنع لغة سينمائية جديدة وترسم معالم مستقبل الصناعة بالمغرب.
المهرجان لم يعد مجرد تظاهرة لعرض أفلام الهواة، بل أصبح تجربة عبور حقيقية نحو الاحتراف، حيث تعقد اللقاءات المهنية، تنظّم الورشات التطبيقية، وتُفتح مساحات الحوار بين الجيل الجديد من صناع الأفلام وبعض من أبرز الأسماء التي تحضر اليوم بقوة داخل السوق الوطنية.
وفي قراءة لمسار هذا الحدث، يكاد لا يوجد اليوم محترف في الميدان السينمائي المغربي لم يمر من هنا في بداياته، سواء كمشارك في المسابقة، كمتدرب ضمن ورشة، أو حتى كمتطوّع داخل الفريق التنظيمي. هذه الحقيقة تكشف أن سطات نجحت في بناء مدرسة غير رسمية للسينما، حيث تشكل التجربة والمرافقة أساساً لصقل المواهب قبل دخولها عالم الإنتاج والاحتراف.
هنا، في هذا الفضاء المفتوح على السؤال والتجريب، تكون عدد من المخرجين السينمائيين واكتشفوا المعنى الحقيقي للسينما: ليس فقط آلة تصوير وحكاية، بل حياة كاملة، رؤية، التزام، وإحساس بالمسؤولية تجاه ما يقدم للجمهور. فالمهرجان منحهم أول فرصة للاحتكاك بنقد الجمهور، بمعايير العرض، وبالسياق الجمالي الذي يجعل الفيلم عملاً فنيا لا مجرد منتوج بصري.
ما يميز المهرجان ايضا هو قربه من الواقع الاجتماعي، إذ تُلتقط قصص الشباب وأحلامهم من الأزقة الشعبية لتتحول إلى مادة سينمائية تبحث عن لغة خاصة، وتطرح أسئلة حول الهوية، المستقبل، والانتماء. الأفلام المشاركة ليست مجرد محاولات فنية، بل شهادات حساسة على ما يحدث داخل المجتمع، تُروى بعيون جيل جديد.
كما حضر في دورة هذه السنة عدد من المنتجين والمخرجين الذين أثبتوا حضورهم داخل الصناعة، مما يجعل اللقاء بين الخبرة والطموح ميزة أساسية للحدث. حضورهم لا يأتي كضيوف فقط، بل كأطراف مشاركة في بناء رؤية مشتركة لمستقبل الإبداع الوطني.
وبقدر ما يواصل هذا الموعد السنوي ترسيخ مكانته، يراهن صناع السينما الشباب عليه باعتباره بوابة لاكتشاف الذات، وخطوة أولى نحو سوق اليوم الذي بات يضم أسماء كثيرة مرت من هنا ذات مرة، كتلاميذ أو متدربين، قبل أن يصبحوا جزءاً من الصناعة.
هكذا، تثبت سطات أن الهواية ليست نقصاً في الاحتراف، بل بذرة أولى تؤدي إلى صقل المهارات، وبناء مشاريع، وخلق سينما مغربية أكثر جرأة وعمقاً سينما وُلدت هنا، وتعلّمت هنا معنى الصورة وقيمة القصّة قبل أن تصل إلى القاعات ومهرجانات العالم.