مع كل دورة، يُثبت المهرجان الدولي للفيلم بمراكش أنه ليس مجرد موعد سينمائي عابر، بل فضاء متجدد للحوار وتلاقي التجارب، ومنصة تُعيد رسم ملامح السينما المعاصرة. هذا المعنى يتأكد مجدداً من خلال الكلمة الافتتاحية لصاحب السمو الملكي الأمير مولاي رشيد، رئيس مؤسسة المهرجان، الذي شدّد على أن المهرجان اختار منذ انطلاقته أن يكون فضاءً منفتحاً على العالم، يلتقي فيه صناع السينما من مختلف الثقافات، وتُمنح فيه المواهب الجديدة فرصة الظهور في محفل دولي راسخ.
أكثر من 22 سنة من تكريس موقع المغرب على خارطة السينما العالمية
على مدى اثنتين وعشرين دورة، نجح مهرجان مراكش في التحول إلى أحد أقوى المواعيد السينمائية في المنطقة. فبفضل برامجه النوعية وتركيزه على الأصوات الشابة، رسّخ المغرب حضوره ضمن كبريات التظاهرات العالمية، وأصبح المهرجان محطة رئيسية يحجّ إليها المهنيون والمنتجون والنقاد من مختلف القارات.
برامج الأطلس… مشروع استراتيجي لسينمائيي الغد
دورة 2025 حملت معها خطوة مفصلية تمثلت في إطلاق الهيكلة الجديدة تحت اسم “برامج الأطلس”، التي تجمع:
ورشات الأطلس، منصة الأطلس، الأطلس للتوزيع، والأطلس بريس.
هذه المبادرات لم تعد برامج موازية، بل أصبحت رافعة مؤسساتية تُسهم في تأهيل جيل جديد من السينمائيين المغاربة والعرب والأفارقة.
ورشات الأطلس تحديداً تحولت إلى مدرسة حقيقية، تُكوّن كل عام مخرجين ومنتجين شباباً وطلبة سينما ونقاداً صاعدين، من خلال تأطير احترافي مكثف وفرص لبناء شبكة علاقات واسعة داخل الصناعة.
برنامج توزيع جديد… ولادة منصة إقليمية لدورة الفيلم
وتعززت الدورة بإطلاق لقاءات الأطلس للتوزيع، وهو برنامج فريد يجمع ستين مهنياً من إفريقيا والعالم العربي وأوروبا. خطوة تعكس تحول المهرجان من مجرد فضاء للعرض إلى منصة تُساهم في مرافقة مسار الفيلم من الكتابة إلى التوزيع، وتدعم ظهور سرديات جديدة في المشهد العالمي.
تكريمات بنفَس إنساني وجمالي
وفاءً لروحه، يكرم المهرجان أربع شخصيات طبعت السينما محلياً ودولياً:
– راوية… قامة تمثيلية بارزة في المغرب؛
– جودي فوستر… إحدى أهم نجمات السينما الأمريكية؛
– حسين فهمي… رمز السينما المصرية والعربية؛
– غييرمو ديل تورو… صاحب رؤية فانتازية استثنائية عالمياً.
هذه التكريمات ليست مجرد احتفاء بالأسماء، بل تكريم لمسارات صنعت تاريخاً فنياً ممتداً.
لجنة تحكيم تجسد تنوع السينما العالمية
يرأس لجنة تحكيم الدورة المخرج الكوري بونغ جون هو، صاحب تحف مثل “Parasite”. لجنة تجمع رؤى متعددة، ومهمتها البحث عن الأصوات الجديدة القادرة على التقاط أسئلة العصر وتحولاته.
حوارات المهرجان… منصة لتبادل الحكمة والتجارب
يستمر برنامج “حوارات” في ترسيخ مكانته كواحد من أهم لحظات المهرجان، إذ يجتمع الجمهور مع كبار السينمائيين في جلسات مفتوحة حول تجاربهم ومقارباتهم الإبداعية.
سينما تجمع ولا تُفرق
تنطلق الدورة الثانية والعشرون في عالم تتزايد تعقيداته، لكن السينما — كما أكد صاحب السمو الملكي — تظل لغة إنسانية عالمية تمنح المجتمعات فرصة للفهم والتقارب وبناء الأمل.
مراكش لا تستقبل فقط ضيوف السينما… بل تستقبل أسئلتهم، رؤاهم، أحلامهم، وهواجسهم، لتجعل من كل دورة مساحة جديدة للحوار والإبداع والتجدد.