الحسين حنين
في خطابه أمام البرلمان، دعا جلالة الملك محمد السادس إلى ضرورة إعطاء عناية خاصة لتأطير المواطنين والتعريف بالمبادرات العمومية والقوانين التي تمس حقوقهم وحرياتهم، مؤكداً أن هذه المهمة ليست مسؤولية الحكومة وحدها، بل مسؤولية جماعية تشمل البرلمان والأحزاب ووسائل الإعلام والمجتمع المدني وكل القوى الحية للأمة.
هذه التوجيهات الملكية ليست مجرد إشارات رمزية، بل هي خريطة طريق ملزمة لكل المؤسسات العمومية، ومنها المركز السينمائي المغربي. فالمركز، الذي ظل مرتبطاً في أذهان المهنيين والجمهور بمنح الدعم وتنظيم المهرجانات وتدبير التراخيص، دخل منذ 2022 مرحلة جديدة عنوانها الانفتاح والتحول المؤسساتي في ضوء التحولات الدستورية والسياسية.
من إدارة تقنية إلى مؤسسة مواطنة منفتحة
لم يعد مقبولاً أن يختزل دور المركز في مجرد إدارة تقنية. فبصفته مؤسسة عمومية تدبر مرفقاً ثقافياً وطنياً، كان لا بد أن يتبنى مبادئ الحكامة الجيدة التي نص عليها الدستور المغربي، خاصة في الفصول 154 إلى 159، والتي تؤكد على الشفافية، وربط المسؤولية بالمحاسبة، والمشاركة في اتخاذ القرار.
ومنذ سنة 2022، شرع المركز في التحول من منطق “الإدارة المغلقة” إلى منطق “المؤسسة المواطِنة المنفتحة” التي تُمارس الديمقراطية التشاركية داخل هياكلها، وتجعل من الثقافة جزءاً من مشروع التنمية الوطنية الشاملة.
إشراك المهنيين في صناعة القرار
إذا كان الخطاب الملكي قد شدد على مسؤولية الجميع في تأطير المواطنين، فإن أول خطوة منتظرة من المركز السينمائي المغربي هي تأطير المهنيين أنفسهم. إشراكهم في صياغة السياسات السينمائية لم يعد خياراً، بل ضرورة.
إنشاء آليات دائمة للتشاور مع المهنيين، منذ إعداد دفاتر التحملات وصولاً إلى تقييم نتائج الدعم، واعتماد الشفافية الرقمية في نشر المعطيات المالية والتقارير التقييمية، كلها خطوات جعلت من القرارات أكثر وضوحاً ومصداقية، وأسست لعلاقة جديدة قوامها التوافق والثقة.
من “مستفيدين من الدعم” إلى “شركاء في القرار”
الخطاب الملكي فتح الباب أمام تصور جديد للعلاقة بين الإدارة والمهنيين. فهؤلاء لم يعودوا مجرد “مستفيدين من دعم”، بل شركاء في صياغة القرار الثقافي الوطني. إشراكهم لا يضعف سلطة المركز، بل يمنحه شرعية مضاعفة قائمة على الثقة والشفافية والمسؤولية المشتركة.
صناعة سينمائية في خدمة التنمية
الغاية اليوم ليست فقط تطوير الصناعة السينمائية في بعدها الاقتصادي أو الفني، بل بناء إدارة ثقافية مواطِنة تستجيب لتطلعات جيل جديد من المبدعين والجمهور. إدارة تُمارس الديمقراطية التشاركية وتجعل من الثقافة رافعة أساسية في مشروع التنمية الوطنية.
كما قال جلالة الملك في خطابه:
“هذه المسألة ليست مسؤولية الحكومة وحدها، وإنما هي مسؤولية الجميع.”
والمركز السينمائي المغربي، منذ انفتاحه، جزء أساسي من هذا “الجميع”. مسؤوليته أن يُحوّل مبادئ الحكامة الجيدة إلى ممارسات ملموسة تُعيد الثقة، وتفتح آفاقاً جديدة لقطاع سينمائي يختزل في صورته روح الوطن.