الحسين حنين
عرض فيلم “سماء بلا أرض” من بين العروض الأولى ضمن المسابقة الرسمية للمهرجان الدولي للفيلم بمراكش، وذلك بحضور مخرجته التونسية أريج سهيري، في عرض احتضنته قاعة الوزراء وسط اهتمام من النقاد والمهنيين.
الفيلم يتابع حياة مجموعة من المهاجرات اللواتي يعشن في بيت ضيق على هامش المدينة، ينتظرن فرصة لعبور البحر نحو أفق مختلف. لكن أريج سهيري لا تتعامل مع الهجرة كحدث درامي مباشر؛ بل تقدمها كحالة إنسانية معقدة تتشكل من لحظات صغيرة، ومشاعر متضاربة، وتساؤلات تتجاوز السياسة نحو الجوهر الإنساني.
تظهر الشخصيات في الفيلم كأفراد لهن تفاصيلهن اليومية: ضحكات عابرة، صمت طويل، خلافات بسيطة، ومحاولات دائمة للتمسك بالأمل رغم هشاشة الواقع.
الشخصية المركزية، امرأة شابة تحمل ابتسامة مشرقة، تقود الإيقاع الداخلي للفيلم.
هي ليست ضحية نموذجية، ولا بطلة خارقة؛ بل إنسانة عالقة بين رغبة في الرحيل، وخوف من فقدان ما تبقى حولها من روابط إنسانية.
يمنحها الفيلم حضورا صادقا يجعلها أقرب إلى المتفرج، ويحول هشاشتها إلى مصدر قوة وجاذبية.

تعتمد سهيري على بناء بصري هادئ، يصغي إلى الإيماءات أكثر مما يصغي إلى الحوارات.
الكاميرا تقترب من الشخصيات دون أحكام، وتسجل ارتباكها، رغبتها في الفرح، وقلقها من الغد، لتخلق بذلك صورة واضحة عن الحالة النفسية لـ المهاجرات في لحظات الانتظار الطويلة.
لا يقدم “سماء بلا أرض” حلولاً ولا يفرض قراءة واحدة.
بل يترك المشاهد أمام سؤال مركزي:
ماذا يعني أن تكوني بين أرض لم تعد تستوعبك، وسماء لا تزال بعيدة عن متناولك؟
بهذه المقاربة، يضيف الفيلم صوتا هادئاً لكنه مؤثر في النقاش حول الهجرة، مبتعداً عن الخطابات السياسية التقليدية ومتجهاً نحو جوهر التجربة الإنسانية.
“سماء بلا أرض” هو عمل يعتمد على الحس الإنساني أكثر من الجدل، وعلى التفاصيل اليومية أكثر من البناء الدرامي المباشر.
فيلم يرسم ملامح الهجرة من الداخل، من خلال القلوب التي تنتظر، والأحلام التي تتأرجح، والسماء التي تظل، رغم كل شيء، مفتوحة على الاحتمال.
